الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب جناية العبد: قال الشيخ: معنى هذا أن الغلام الجاني كان حرًا وكانت جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء وإنما تواسي العاقلة عن وُجْد وسعة ولا شيء على الفقير منهم. ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه أيضًا حرًا لأنه لو كان عبدًا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدًا كما لا تحمل عمدًا ولا اعترافًا وذلك في قول أكثر أهل العلم. فأما الغلام المملوك إذا جنى على عبد أو حرٍّ فجنايته في رقبته في قول عامة الفقهاء. واختلفوا في كيفية أخذ أرش الجناية من رقبته فقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن إذا كانت الجناية خطأ فإن شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه. وكذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق، وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وهو قول الشعبي وعطاء والحسن وعروة بن الزبير ومجاهد والزهري. وإذا كان القتل عمدًا فإن أبا حنيفة وسفيان الثوري يقولان إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عقلوا، فإن عفوا فلا سبيل عليه في شيء بعد العفو وليس لهم أن يسترقوه. وقال مالك إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا فلهم قيمة العبد ولسيد العبد إن شاء يعطي قيمته وإن شاء سلم العبد وليس عليه غير ذلك. وقال الشافعي إذا قتل عبد عبد رجل فسيد العبد المقتول بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة العبد المقتول في رقبة العبد القاتل فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعًا فليس لسيد العبد المقتول إلاّ ذلك إذا عفا عن القصاص. وإن رأى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليه وبيع العبد القاتل، فإن وفى ثمنه بقيمة العبد المقتول فهو له وإن نقص فليس له غير ذلك وإن زاد كان الفضل لسيده. .ومن باب القصاص في السن: قال الشيخ: قوله: «كتاب الله القصاص» معناه فرض الله الذي فرضه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزله من وحيه. وقال بعضهم أراد به قول الله عز وجل: {وكتبنا عليهم} إلى قوله: {والسن بالسن} [المائدة: 45] وهذا على قول من يقول إن شرائع الأنبياء لازمة لنا وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحكم بما في التوراة. وقيل هذا إشارة إلى قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126] إلى قوله: {والجروح قصاص} [المائدة: 45] والله أعلم. .كتاب الأيمان والنذور: قال الشيخ: في هذا الحديث دليل على أن ما يجري بين المتخاصمين من كلام تشاجر وتنازع وإن خرج بهما الأمر في ذلك إلى نسب كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى خيانة وفجور واستحلال في نحو ذلك من الأمور، فإنه لا حكومة بينهما في ذلك. وفيه دليل على أن الصالح المظنون به الصدق والطالح الموهوم منه الكذب في الحكم سواء، وإنه لا يحكم لهما ولا عليهما إلاّ بالبينة العادلة. وفي قوله: «فانطلق ليحلف له» وقوله: «فلما أدبر» دليل على أن اليمين إنما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر، ولولا ذلك لم يكن لانطلاقه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدباره عنه معنى ويشهد لذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف عند منبري ولو على سواك أخضر تبوأ مقعده من النار». وفي قول الكندي هي أرضي في يدي أزرعها، دليل على اليد تثبت على الأرض بالزراعة وعلى الدار بالسكنى وبعقد الإجارة عليهما وبما أشبههما من وجوه التصرف والتدبير. قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين مصبورة كاذبًا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار». قال الشيخ: اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها أي يحبس وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومن هذا قولهم قتل فلان صبرًا، أي حبسًا على القتل وقهرًا عليه. وقال هدبة بن خشرم وكان قتل رجلًا فطلب أولياء القتيل القصاص وقدموه إلى معاوية رضي الله عنه فسأله عما ادعى عليه فأنشأ يقول: يريد بالصبر القصاص، وقيل لليمين مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها فأضيف الصبر إلى اليمين مجازًا واتساعًا. .ومن باب الحلف بالأنداد: قال الشيخ: فيه دليل على أن الحلف باللات لا يلزمه كفارة اليمين وإنما يلزمه الإنابة والاستغفار، وفي معناها إذا قال أنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام إن فعلت كذا وكذا وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد. وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه إذا قال هو يهودي إن فعل كذا فحنث كان عليه الكفارة، وكذلك قال الأوزاعي وسفيان الثوري وقول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه نحو من ذلك. وقوله: «من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق»، معناه فليتصدق بقدر ما جعله خطرًا في القمار. .ومن باب الحلف بالآباء: قال الشيخ: قوله: «آثرًا» يريد مخبرا به من قولك آثرت الحديث آثره إذا رويته يقول ما حلفت ذاكرًا عن نفسي ولا مخبرًا به عن غيري. قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عَن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله في حديث قصة الأعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح وأبيه إن صدق». قال الشيخ: قد ذكرنا هذا الحديث في كتاب الصلاة وأشبعنا بيانه هناك وليس بين هذا وبين حديث عمر خلاف على الوجه الذي تأولناه عليه فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا والله أعلم. .ومن باب كراهية الحلف بالأمانة: قال الشيخ: هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وبصفاته وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال وأمانة الله كان يمينًا ولزمته الكفارة فيها، وقال الشافعي لا يكون ذلك يمينًا ولا يكون فيها كفارة. .ومن باب يحلف بالبراءة أو بملة غير الإسلام: قال الشيخ فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام فإنه يأثم ولا يلزمه الكفارة وذلك لأنه إنما جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في ماله شيئًا. .ومن باب الاستثناء في اليمين: قال الشيخ: معنى قوله: «فاستثنى» هو أن يستثنى بلسانه نطقًا دون الاستثناء بقلبه لأن في هذا الحديث من غير رواية أبي داود من حلف فقال إن شاء الله معلقة بالقول. وقد دخل بهذا كل يمين كانت بطلاق أو عتاق أو غيرهما لأنه صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص. ولم يختلف الناس في أنه إذا حلف بالله ليفعلن كذا أو لا يفعل كذا، واستثنى أن الحنث عنه ساقط، فأما إذا حلف بطلاق أو عتاق واستثنى، فإن مالك بن أنس والأوزاعي ذهبا إلى أن الاستثناء لا يغني عنه شيئًا، والعتق والطلاق واقعان، وعلة أصحاب مالك في هذا أن كل يمين تدخلها الكفارة فإن الاستثناء يعمل فيها وما لا مدخل للكفارة فيه فالاستئناء فيه باطل. وقال مالك إذا حلف بالمشي إلى بيت الله واستثنى فإن الاستثناء ساقط والحنث له لازم. .ومن باب بكون القسم يمينًا: قال الشيخ: فيه مستدل لمن ذهب إلى أن القسم لا يكون يمينًا بمجرده حتى يقول أقسمت بالله، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار القسم فلو كان قوله أقسمت يمينًا لأشبه أن يبره، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي. وقد استدل من يرى القسم يمينًا على وجه آخر فيقول لولا أنه يمين ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تقسم، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه. .ومن باب اليمين في الغضب وقطيعة الرحم: قال الشيخ: قوله: «رتاج الكعبة» أصل الرتاج الباب وليس يراد به الباب نفسه، وإنما المعنى أن يكون ماله هديًا إلى الكعبة أو في كسوة الكعبة والنفقة عليها أو نحو ذلك من أمرها. وفيه من الفقه أن النذر إذا خرج مخرج اليمين كان بمنزلة اليمين في أن الكفارة تجزي عنه وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. وعن عائشة رضي الله عنها والحسن وطاوس أنهم قالوا فيما هذا معناه كفارة يمين. وقال الشعبي والحكم وحماد فيمن حلف بصدقة ماله لا شيء عليه. وقال مالك إذا حلف بصدقة ماله يخرج ثلث ماله. وقال أبو حنيفة وأصحابه ينصرف ذلك إلى ما فيه الزكاة من المال دون ما لا زكاة فيه من العقار والخرثي والدواب. وفيه بيان أن النذر إذا كان في معصية لم يلزم. قال أبو داود: حدثنا المنذر بن الوليد الجارودي حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم. ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها». قال الشيخ قد نطقت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الكفارة لازمة لمن حنث في يمينه وهو حديث عبد الرحمن بن سمرة، وحديث أبي موسى الأشعري وحديث أبي هريرة، وقال أبو داود وكذلك جاءت الأحاديث بذكر الكفارة إلاّ ما لا يعبأ به. وقد روي عن بعضهم أنه رأى هذا من لغو اليمين، وقال لا كفارة فيه إذا كان معصية. وحكي معنى ذلك عن مسروق بن الأجدع وسعيد بن جبير.
|