الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في العمرى وما يلحق بها من المنحة والإخدام: ابن عرفة: هي تمليك منفعة مدة حياة المعطي بغير عوض إنشاء فخرج بالمنفعة تمليك الذات وبحياة المعطي إلخ... الحبس والعارية والمعطى بفتح الطاء خرج به حياة المعطي بكسرها فإنه لا يسمى عمرى حقيقة، وإن كان جائزاً كحياة أجنبي غيرهما وخرج بقوله: بغير عوض ما إذا كان بعوض فإنها إجارة فاسدة، وبقوله: إنشاء الحكم باستحقاق العمرى لأنه تقرير لها لا إنشاء، وهذا الحد يوجب جوازها في الأصول والحلى والثياب وغير ذلك. أبو الحسن: إلا أنه إن بقي من الثوب شيء رده وإلاّ فلا شيء عليه، وخصها الناظم بالأصول لكثرتها فيها فقال:(هبة غلة الأصول) كالدور والأرضين والحوانيت (العمرى) ولابد فيها من الحوز كما قال (بحوز أصل حوزها استقرا) لأن المنفعة تحاز بحوز أصولها كما مرَّ، والحيازة للصغير فيها بصرف الغلة كما مرَّ في الهبة. (طول) بالنصب ظرف لقوله: هبة وهي خبر عن قوله: العمرى، والتقدير: العمرى هبة غلة الأصول طول (حياة المعمر) بالفتح (أو) هبة غلة الأصول (مده معلومة كالعام أو ما بعده) كالعامين أو العشرة، وحوزها استقر بحوز أصلها. اللخمي: والعمرى أقسام مقيدة بأجل، وحياة المعمر بالفتح ومطلقة ومعقبة، فالمقيدة بأجل أو حياتي أو حياتك هي إلى ذلك الأجل، وإن أطلق ولم يقيد كان محمله على عمر المعطى له حتى يقول: عمري أو حياتي وإن عقبها فقال: أعمرتك أنت وعقبك لم ترجع إلى ه إلى أن ينقرض العقب. قال: ويحمل قوله: كسوتك هذا الثوب وحملتك على هذا الفرس على هبة الرقاب بخلاف قوله: أعمرتك أو أسكنتك أو أخدمتك فإنه يحمل على العمرى، وإن قال: أذنت لك أن تسكن داري وتزرع أرضي أو تركب دابتي أو تلبس ثوبي كان عارية فيجري على حكمها من ضرب الأجل وعدمه. اهـ. يعني إذا لم يضرب الأجل فإن العارية تنقض بمضي ما يعار لمثله. وقوله: حياة المعمر يقتضي أن الجهل بمدة الحياة لا يضر وهو كذلك، لأن الغرر إنما يمنع في المعاوضات دون التبرعات وذكر المواق في الضمان إحدى عشرة مسألة يجوز الجهل فيها الخمالة والهبة والوصية والبراءة من المجهول والصلح يعني: إذا لم يعرفا قدر الحق المصالح فيه كما مرّ في بابه، والخلع والصداق والقراض والمساقاة والمغارسة والصدقة. اهـ. وقولهم: أرسل من يدك بالغرر ولا تأخذ به معناه أرسل من يدك بالغرر من غير عوض ولا تأخذ به بعوض فكأنهم قالوا ولا تعاوض به.تتمة:إذا مات المعمر بالفتح أو انقضى الأجل فإنها ترجع للمعمر بالكسر أو وارثه. (خ): ورجعت للمعمر أو وارثه إلخ. والمعتبر في الوارث هو يوم الموت لا يوم المرجع، فإذا مات المعمر بالكسر عن أخ مسلم وابن كافر أو رقيق فورث المسلم أخاه ثم أسلم الابن أو عتق الرقيق ثم مات المعمر بالفتح، فإن العمرى ترجع للأخ، المسلم كما في الزرقاني. (وبيعها) أي العمرى أن منفعتها (مسوغ للمعمر) بالفتح أي يبيع ماله من المنفعة مدة حياته (من معمر) بالكسر (أو) من (وارث للمعمر) بالنقد والعروض والطعام وغير ذلك نقداً أو نسيئة وتسمية ذلك بيعاً مجازاً وإنما هو كراء، وفهم منه أنه لا يجوز بيعها من غير المعمر أو وارثه وهو كذلك فيما إذا كانت حياة المعمر لأنها حينئذ إجارة مجهولة، وإنما اغتفر مؤاجرتها للمعمر أو وارثه مع وجود الجهل أيضاً للمعروف كما جاز للمعري اشتراء عريته يخرصها تمراً مع ما فيه من بيع الطعام بالطعام نسيئة للمعروف أيضاً وأما إن كانت مقيدة بأجل كعام ونحوه فله عقد الكراء فيها مع المعمر أو غيره إلى تلك المدة كما في ابن سلمون وغيره ثم أشار إلى المنحة وهي هبة لبن الشاة كما مرّ أول باب الهبة فقال: (وغلة للحيوان) كلبن بقرة أو شاة (أن تهب) لشخص حياة الممنوح أو مدة معينة فإن أطلق فهو مصدق فيما يدعيه من المدة فإن مات أو غاب، فالظاهر أنه يحمل على حياة الحيوان الممنوح (فمنحة تدعى) أي تسمى (وليست تجتنب) بل هي مندوبة لكونها من المعروف، ولا يدخل في غلة الحيوان ركوب الدابة لأن هذه عارية كما تقدم قريباً عن اللخمي، وتقدم أيضاً أول باب الهبة ثم أشار إلى الإخدام فقال: (وخدمة العبد) أو الأمة أن تهب لشخص حياة العبد أو المخدم بالكسر أو المخدم بالفتح أو لمدة معلومة كعام ونحوه (هي الإخدام) في الاصطلاح فإن أطلق وقال: أخدمتك هذا العبد فإنه يحمل على حياة العبد كما مرّ أول باب الحبس (والحوز فيهما) أي في المنحة والاخدام قبل حصول المانع (له التزام) فلا يصحان بدونه كما مرَّ. (حياة مخدم) ظرف لتهب المقدر بعد خدمة العبد (أو) حياة (الممنوح) ظرف لتهب المذكور في كلامه من اللف والنشر المعكوس (أو) إلى (أمد) كعام أو شهر (عين) فيهما (بالتصريح) فإن أطلق ولم يعين فقد مر حكمه. (وأجرة الراعي لما) أي للحيوان الذي (قد منحا) لبنه واجبة (على) الشخص (الذي بمنحه قد سمحا) أو على المانح وظاهره أنه إذا اشترطت أجرته على الممنوح أو جرى عرف بها لأنه كالشرط لا يجوز ذلك لأنها تنقلب حينئذ إجارة بمجهول وهو كذلك، ففي نوازل الفاسي: لا يجوز إعطاء بقرة لمن يرعاها على أن يأخذ نصف زبدها قال: ولكن في المواق والمعيار عن ابن سرج ما يؤذن بالترخيص في ذلك من أجل الاضطرار لأن مذهب مالك مراعاة المصلحة إن كانت كلية حاجية. اهـ. وانظر ما قدمناه أول الإجارة ولا مفهوم للزبد ولا لنصفه بل كذلك بكل الزبد أو اللبن، ومثل هذا ما يقع كثيراً في إجارة معلم الصبيان يجعلون له مخضة على كل واحد فقال العقباني: إن ذلك لا يجوز لأنه لم يدخل معهم على تحديد ما يأخذه من الزبد بالوزن، وإنما دخل على أن يأخذ مخضة لا يدري قدرها، ولما نقله ابن رحال عند قوله (خ) في الإجارة: أو حميم ذي الحمام. قال عقبة: الصواب الجواز، وأشار إلى ما تقدم عن ابن سراج والمعيار، وأما علف الدابة المعارة فقد قال (خ) آخر العارية: وفي علف الدابة قولان. أي: هل هو على المعير أو المستعير؟ ومحلهما مع السكت وعدم العرف، وأما الشرط أو العرف فهو على من اشترط عليه أو قضى العرف أنه عليه اتفاقاً لأنه يجوز كراء الدابة بعلفها كما قال (خ): وجاز على أن عليك علفها إلخ... والعرف عندنا بفاس أن علف العارية على المستعير حيث باتت عنده فإن لم تبت فعلى ربها، وأما نفقة المخدم فاقتصر في الاستغناء كما في المواق على أنها على المخدم بالفتح، وفي المدونة أنها على المخدم روي بفتح الدال وكسرها، وهذا مع السكت أو عدم العرف أيضاً وإلاَّ فهي على المخدَم بالفتح اتفاقاً إذ لا يجوز مؤاجرة الأجير بأكله وتنفسخ إذا ظهر أكولاً قال (خ): كظهور مستأجر أوجر بأجره أكولاً إلخ... وزكاة فطره حينئذ على سيده قطعاً لأنه المالك المنفق عليه. (وجائز لمانح فيها) أي المنحة (الشرا بما) أي بالثمن الذي (يراه) المانح ويرضى به كان ذلك الثمن طعاماً أو غيره (ناجزاً) كان (أو مؤخراً) ولا يدخله بيع اللبن المجهول بدنانير أو بطعام نسيئة لأن ذلك كله معروف رخص له فيه كما مرَّ في العمرى. ولا يجوز لغيره شراؤه إلا بالشروط المذكورة عند شراح (خ) عند قوله في الإجارة: وشاة للبنها، ويفهم من النظم أنه يجوز للمخدِم بالكسر شراء خدمة مخدمه كالمنحة والعمرى إذ لا فرق بين الجميع والله أعلم. .فصل في الإرفاق: وهو إعطاء منافع العقار.(إرفاق جار حسن) أي مستحب (للجار) لحديث: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وهو ثلاثة أقسام: ما له حق واحد وهو الجار الذمي، وما له حقان وهو الجار المسلم الأجنبي، وما له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب. قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا} إلى قوله: الجار ذي القربى والجار الجنب} (النساء: 36). وحد الجوار أربعون داراً من كل جانب (بمسقى) يتعلق بإرفاق فيحتمل أن يكون اسم مكان أي يرفقه بموضع يوصل منه الماء ليسقي حائطه أو داره، ويحتمل أن يكون مصدراً أي يسقي ماء فضل عنه ليسقي الجار به حائطه ونحوه أو ب (طريق) في أرضه يمر عليها لحائطه أو دار أيضاً (أو) ب (جدار) يغرز فيه خشبة ونحوها. (خ): وندب إعارة جدار لغرز خشبة وإرفاق بماء وفتح باب ليمر عليها إلخ... وهذا كله حيث لم يكن على المرفق بالكسر فيه ضرر فحينئذ يتعلق الندب به. وقد حض عليه الصلاة والسلام على الجار فقال: (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره) وقال: (الجار أمين على جاره فعليه أن يسد حجابه عنه أي عليه ويكف أذاه عنه ويغض بصره عنه وإن رأى عورة سترها أو سيئة غفرها أو حسنة شكرها) وقال: (لا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه). (والحد في ذلك) الإرفاق (إن حد) بزمن كسنة أو عشر سنين أو إلى الأبد مثله (اقتفي) واتبع وكان لازماً للمرفق ليس له الرجوع قبله (و) إن أطلق ولم يقيد بأجل (عد) المرفق بالكسر (في اطلاقه كالسلف) يتسلفه الإنسان ولا يتعرضان لأجله فإنه لابد أن يتركه مدة ينتفع به فيها عادة أمثاله، فكذلك هذا لابد أن يترك للمرفق بالفتح ينتفع به المدة الجارية بين الجيران عادة، وظاهره أن الحكم هو ما ذكر سواء كان الإرفاق بالغرز أو فتح باب أو سقي ماء وغير ذلك كإعارة عرصة للبناء، والمعتمد أنه في الغرز لا رجوع بعد الإذن طال الزمان أو قصر عاش أو مات إلا أن ينهدم الجدار فلا يعيد الغرز إلا بإرفاق ثانٍ حيث علم أن الخشبة وضعت أولاً بالإرفاق وإلاَّ فله ردها كما كانت من غير إذن قاله ابن الرامي. وأما إعارة العرصة للبناء فالراجح أن له الرجوع حيث لم يقيدا بأجل ولو قبل أن يمضي ما يرفق ويعار لمثله في العادة، ولكن بعد أن يدفع ما أنفق أو قيمته (خ): وله أن يرجع وفيها إن دفع ما أنفق وقيمته. وقال أيضاً: وله الإخراج في كبناء إن دفع ما أنفق، وفيها أيضاً قيمته إلخ. والفرق بين العرصة والجدار أن بعض أهل العلم يرى القضاء بإعارة الجدار إذا امتنع ربه من إعارته للغرز وليس فيه عليه ضرر، وبه قال الشافعي وابن كنانة وابن حنبل، قال الأبي: وكان الشيخ يعني ابن عرفة يقول: ليس المراد بالغرز المندوب إليه أن يغرز ليبني فوق ذلك لأن ذلك معلوم كونه مضراً بالجدار، وإنما المعنى أن يغرز للتسقيف.تنبيه:ما تقدم من أن له الإخراج في العرصة هو مذهب المدونة كما رأيته، وجعل ابن رشد وابن زرقون ذلك جارياً في الجدار أيضاً لأن كلاً منهما هبة منفعة، ورجحه ابن رحال فقال: قد تبين أن المذهب لا فرق بين الجدار والعرصة في أن لكل منهما الرجوع حيث لم يقيدا بأجل بعد أن يعطي كلاً منهما ما أنفقه المعار والمرتفق، وإلاَّ فليس لكل منهما الرجوع إلا بعد أن يمضي ما يرفق ويعار له بحسب العادة اه باختصار. وهو مخالف لما تقدم من أنه ليس له الإخراج في الجدار على المعتمد فشدّ يدك على ما تقدم للفرق المتقدم ولأن العرصة لا تضطر الحاجة إليها كاضطراره للغرز، ولذا قيل بوجوبه للأحاديث القوية فيه والخاصة به والله أعلم.
|